التعليم

مفهوم التربية وفلسفتها

آلت مؤسسات الإمام الصدر على نفسها أن تساهم في إعادة تكوين مواطنة لبنانية عابرة للانتماءات الأولية والمناطقية عبر ابتداع مساحة حيوية لنوع مميز من التلاقي ضمن الإطار الإنساني، ومساعدة الجيل الحالي على الرؤية الشاملة المتجاوزة لبيئته الضيقة. والمأمول أن تنجح البيئة المقترحة في تحقيق هدفها في مساعدة المستهدفين في اكتشاف المساحات المشتركة بينهم وتوسيعها والبناء عليها. وفي السياق اللبناني، لا معنى لأية منشأة تربوية إذا تغافلت عن التجسير بين الناشئة والشباب اللبناني أفرادًا أو مجموعات، أو إذا تهاونت في تأهيلهم للإسهام في بناء الوطن والغد لطالما كان تسيير الحوار، وبناء المهارات المتصلة بحل النزاعات، وتعزيز فرص التنشئة على المواطنة وعلى التفاوض والوصول إلى تسويات مرضية لكل الأطراف، وبناء الشخصيات المستعدة للتسامح، والتثقيف على السلم والمودّة عند الأطفال وذويهم هي من التحديات الإستراتيجية التي توجّه مبادرات مؤسسات الإمام الصدر، وتؤشر إلى تحقيق غاياتها البعيدة الأمد، والمتمثلة في بناء المستقبل الآمن، الواعد، والراني إلى الكمال.

التربية عملية معقدة تندرج في أوساط اجتماعية وثقافية وسياسية مختلفة، يستحيل التوافق على تعريف موحد لجودتها. منهم من عرّفها بالتمايز، أو بالقيمة، أو بالملاءمة، أو بتحقيق توقعات الزبائن أو تجاوزها، إلخ. كما عرفتها ISO 8402    بأنها “جملة الخصائص  والمعالم لمنتج أو لخدمة بإمكانها إرضاء الحاجات المعلنة والمضمرة”. ما توافق معظم المعنيين العاملين في قطاع التربية في مؤسسة الإمام الصدر على أن جودة التربية هو تضمين الأهداف التربوية بعدين هامين تتقاطع عندهما معظم الفلسفات والمناهج على اختلافها ، وهما:
– تحسين المهارات الإدراكية للمتعلّمين؛
– وتعزيز المواقف والقيم الضرورية لبناء المواطن الصالح والمتصالح مع مجتمعه وبيئته.
وإذا كان هذان البعدان يمثلان كفتي الميزان الحساس الذي يقيس جودة التربية، فإن بيضة هذا القبان تتجسّد في مبدأ المساواة أو التضمينية; أي في ضرورة توفير الفرص التعلميّة لكل الناس، وبصرف النظر عن عرقهم أو لونهم أو جنسهم أو خلفياتهم الاجتماعية والعقائدية. وأي إقصاء أو تحيّز يتنافى مع الجودة في جوهرها، لأنه ينسف المبادىء الأساسية المرتبطة بحقوق الإنسان وبفرصه في التنمية والارتقاء، ويهدد الاستقرار الاجتماعي والسلم العالمي كما سيتوضح تباعاً. وعلى هذين الركنين يتأسس تعريفنا للجودة التربوية. وهو أنّ الجودة في التربية تتحقق عبر بناء المهارات الإدراكية والقيم الإيجابية الآيلة إلى توسيع فرص الجميع في الحياة الكريمة. وهذا التعريف يموضع التربية في مرتبة الوسيلة المسخرة لتحقيق غايات أسمى تتمثل في تحقيق العدالة والسلم والبحبوحة، كما تسخر المهارات والمعارف والمواقف للمحافظة على سلامة الإنسان وصحته، ولضمان حقوقه في العمل والتعبير والاجتماع.
حسب هذا التعريف، هناك تركيز واضح على مخرجات العملية التعلمية ومدى أثرها في إعداد مواطنين فاعلين وقادرين على التعلّم المستمر الذي يمكنهم من الاعتماد على أنفسهم أولاً، ومن اعتمادهم تبادلاً مع غيرهم ثانيًا. ويبقى محور العملية التربوية هو المتعلّم، أي أن الموضوع هنا هو الإنسان. عليه، نحن إزاء التعاطي مع موضوع حساس للمتغيرات، ومتنقل على سلّم واسع جدًّا من الخصائص والفروقات. التحدّي ليس تعليم عدد أكبر من الطلاب، بل تعليم كلّ الطلاب. والتحدّي ليس تخصيص بعض الطلاب الموهوبين بالاهتمام والتركيز، بل توفير الفرص المتكافئة لكل الطلاب وتمكين كل منهم من إطلاق مواهبه وتحقيق ذاته.

مدرسة رحاب الزهراء (ع)

مدرسة رحاب الزهراء (ع) هي مشروع تربوي طامح إلى توفير بيئة مدرسية آمنة، ومناخ اجتماعي جيد تضمنه وتسهر عليه قيادة مدرسية فاعلة تتمتع بالرؤية الواضحة. هناك مشاركة مجتمعية وتطوير مستمر للعاملين مع توكيد على الجودة كبوصلة ومحور، بما يؤدي إلى الإسهام في بناء مجتمع متعلم يتبنى ثقافة السلم والحوار، ويواكب العصر في التكنولوجيا وشغف الإبداع، وتتسع أبوابه لكلّ من ضاقت أمامه سبل الحياة.
عليه، تفخر مدرسة رحاب الزهراء (ع) بأن تضم في عداد طالباتها مئات الفتيات اللواتي كنّ عرضة لأن يفقدن فرصتهن بل حقهن في التعلّم. وهو إنجازٌ يكاد يكون شعارًا للمدرسة ورمزًا لوجودها. وهي أُنشئت -أساسًا- لتوفير التعليم لفتيات المبرة؛ وسرعان ما توسعت بفعل عاملين:
– تنامي الطلب على خدمة التعليم، تحت ضغط الحاجة الناجمة عن الاجتياحات والتهجير وتردي الأوضاع المعيشية للسكان؛
– ضرورة تنويع الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية في الجسم الطلابي، والحرص على إدماج يتيمات المبرة في الأوساط الاجتماعية المتنوعة.
انخرط القيمون على المدرسة والعاملون فيها في ورشة بحث وتطوير واستنهاض، حيث تبقى التحديات والتوقعات تحت مجهر الفحص والتأمل… فحاجات الطالبات أكثر اتساعًا وعمقًا مما هي عليه في مدرسة عادية نظرًا لمضاعفات القلق والحرمان على نفسيات الفتيات ونظرتهن لأنفسهن وللآخرين؛
وترميم الثقة بالنفس وبالمجتمع هي من أولويات المدرسة؛ تليها بناء الإرادة والمهارة في إطلاق الطاقات الشخصية والاجتماعية مع حرص واضح على تكامل خدمات الرعاية والتربية والتمكين، وعلى توسيع خيارات جميع الطلاب وضمان حقوقهم في الحياة الكريمة، بمن فيهم أصحاب الحاجات الإضافية والخاصة.