loader image

أملٌ من فيض الألم

مؤسسات الإمام الصدر تستجيب سريعًا للأزمة الإنسانية المستجدة، وتمدُّ يد العون لعشرات آلاف النازحين خلال أشنع الحروب على لبنان.

مع مرور الأيام، شكلت مؤسسات الإمام الصدر واحةً مفعمة بالأمل والازدهار، ومسرحًا لضحكات تلاميذ ينمون بالقامة والعلم والقيم، ومكانًا آمنًا يخيِّم على أرجائه الحب والتعاون والتفاهم. بقي الوضع مستمرًّا على هذا النحو، إلى أن سادت الحلكة في أحد الأيام، وحلَّ ذاك التاريخ المظلم الذي تبدلت فيه الأحوال، وبدأت طبول الحرب تقرع في المناطق الحدودية الجنوبية.

 

اندلاع شرارة الحرب

سجَّل الثامن من تشرين الأول 2023 التاريخ الذي انطلقت فيه مرحلة نزوح عددٍ كبير من العائلات المقيمة عند الحدود إلى مراكز الإيواء الموجودة في منطقة صور، مما استدعى الاستجابة الفورية من مؤسسات الإمام الصدر، فباشرت التعاون مع عدد من الجمعيات، وبادرت بتقديم الخدمات إلى أهلنا النازحين. كانت البداية مع تسخير المطبخ الخاص بالمؤسسات لإعداد الوجبات الساخنة، تزامنًا مع تأمين الخدمات الاجتماعية الأكثر إلحاحًا، والتي تبلورت لاحقًا لتشمل توزيع مساعداتٍ عينيَّة، كمثل الثياب والأغطية والمواد الغذائية وأدوات التنظيف.

كذلك، ظلَّت المؤسسات متمسكةً بدورها الأسمى في بلسمة جراح الأطفال، وإعادة رسم الابتسامة على وجوههم، وتلوين صفحات أيامهم الأليمة، فهمَّت بِإعداد أنشطةٍ ترفيهية ودوراتٍ تدريبية متنوعة، منها تعلُّم الحِرَف.

أما على الصعيد الصحي، فالخدمات تكثفت بطبيعة الحال. ومع خروج مركزَين من مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة للمؤسسات عن الخدمة بسبب الخطر، تابع فريقا عمل هذين المركزَين مهماتهما في خدمة النازحين في المراكز الواقعة في منطقتَي صور والنبطية، وذلك عبر خدمات العيادة النقالة.

 

حربٌ وتشتيتٌ ودمار، ولكن…

كان يوم 23 أيلول 2024 تاريخًا مفصليًّا في تطور الأحداث، إذ توسعت الحرب الإسرائيلية على لبنان، وباتت معظم المناطق الجنوبية غير آمنٍ، مما أدى إلى نزوح أعدادٍ أكبر من أهالينا في الجنوب، ومعهم كثرٌ من أفراد أسرة مؤسسات الإمام الصدر وعائلاتهم.

سارعت المؤسسات إلى تلقُّف هول الأزمة منذ اليوم الأول، وحملت مشعل الأمل لينير درب النازحين، فتواجدت بينهم وقدمت إليهم  الخدمات والمساعدات على أنواعها. تمكنت من إعادة تمركزها في مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات الكائن في بيروت، حيث باشرت عملها وخدماتها بما أُتيح من معداتٍ ومواد، قبل أن تضطر  إلى إغلاق المركز خلال الأسبوع الأول، بسبب تهديد المنطقة، وإيجاد مكان بديل في منطقة آمنة.

يُقالُ: “طبيبٌ يداوي الناس وهو عليلُ”، لكنَّ جراح المؤسسات كانت تلتئم كلما وضعت نفسها في خدمة مركز إيواء، وكانت جذورها تتشبَّث بالأرض كلما قدمت رعايةً صحية أولية إلى أحد الأشخاص.

 

على تماسٍ مع الأزمة الإنسانية

لم يكن الوضع على الأرض سهلًا، إذ تفاقمت الأزمة الإنسانية مع تزايد أعداد النازحين، مما اضطُرَّ مؤسسات الإمام الصدر إلى الاستجابة للأزمة بما توافر من معدَّاتٍ ومواد. هي قدَّمت ما قدَّمته من كراسٍ نقالة، وأسِرَّة طبية، وعكازات، إضافةً إلى الأدوية المجانية، والفحوص المخبرية، وحملات لقاحات الأطفال، ومتابعة برنامج تأهيل إصابات النخاع الشوكي، والعناية التلطيفية للمرضى القدامى. وفي مجال الدعم النفسي،  أمَّنت المؤسسات فريقًا من أجل المتابعات النفسية والتدخل الاجتماعي بجلساتٍ فردية وجماعية، فضلًا عن مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتوفير المساحات الآمنة للسيدات لتعزيز فكرة إدارة الضغوطات وطريقة التكيف مع الأزمات.

 

التعاضد في قلب الأسرة

منذ ساعات السعي الأولى، لم تتوانَ المؤسسات عن بذل كل ما يلزم من أجل فتيات مبرة رحاب الزهراء(ع) العزيزات، اللواتي سُلِخْنَ فجأةً وقصرًا عنها، فشعرنَ باليتمِ بعيدًا عن بعضهن بعضًا. ومن هنا، اشتدَّ إصرار المؤسسات على متابعة كل فتاة عن كثب عن طريق المشرِفات لمعرفة مكان نزوحها، والاطلاع على حاجاتها وعلى أمورها الدراسية والصحية. ولم تتوقف المؤسسات عند هذا الحد، بل وقدمت مساهمات عينية ومواد غذائية وأغطية إلى أهالي الفتيات.

وتعقيبًا على الأمور الدراسية، حقَّقت ثانوية رحاب الزهراء(ع) ومعهد الآفاق للتنمية إنجازًا فريدًا في متابعة التعليم من بعد.

أما أسرة المؤسسات من عمَّال وموظفين، فنالت لفتةً خاصة تجلَّت من خلال الإنسانية الحقيقية والحب الذي يكنُّه قبطان سفينتها إلى جميع العاملين لديها، فوصلت تقدِماتها إلى بيوتهم جميعًا من جنوب لبنان حتى آخر بقعةٍ في شماله، على شكل رواتب وأغطية وحصص غذائية.

 

هدوء ما بعد العاصفة

عاد الهدوء إلى لبنان، ومعه عادت مؤسسات الإمام الصدر إلى مركزها الرئيسي في صور، عازمةً على استكمال رسالتها الإنسانية بإصرارٍ وتفاؤل، ومستعدةً لتقديم المساعدة والرعاية إلى أهالي المناطق، وتلبية الاحتياجات المتفاقمة بعد هول الحرب.

واليوم، نعود بكل تفاؤل إلى العمل، مصممين على تقديم الأفضل بجهود الخيِّرين والداعمين. أنتم جزء من هذه الأسرة ورفاق الدرب في مسيرتنا. بفضل جهودكم، نستطيع معًا بناء مجتمعٍ أفضل يعبِّر عن قيم العطاء والتضحية والتعاطف مع الآخرين. دعونا نستمر في تقديم الدعم والمساعدة إلى كل محتاج، لنعيد بناء لبنان ونجتمع من أجل الإنسان.