التفكير الأخضر
الخلفيّة
تنشط مؤسسات الإمام الصدر في معظم أنحاء النصف الجنوبي من البلاد، وتسعى لتوفير المأوى والرعاية والتربية لليتيمات ومن هنّ في منزلتهن ممّن يواجهن أوضاعًا هشّة شخصيةً كانت أو اجتماعية أو اقتصادية. تشكل إسهامات المستفيدين والأفراد أكثر من 70% من الموارد المالية للجميعة، مما يجعلهم المالكين الواقعيين لمشاريعها ويرفع مستوى مراقبتهم ومحاسبتهم للأداء والنتائج والآثار. ومع توسع مساحة الحاجات الجنوبية توسعت -عبر الخمسين سنة الماضية- مروحة الخدمات والبرامج لتشمل مشاريع التنمية المحلية وخدمات الصحة الأولية والنفسية، واستمر تمكين المرأة محورًا أساسيًا عابرًا لكل المبادرات والبرامج. استلزم ذلك العمل أن تتوسّع المساحات المبنية (مدارس، منامة، مطعم، إدارة ..) وهي تكاد تغطي اليوم معظم الـ 30 ألف متر مربع، وهي مساحة المجمّع الثقافي في صور، عدا مراكز بيروت ومراكز التنمية المحلية والاجتماعية في الأرياف. وبالإجمال، يرتاد هذه المرافق يومياً ما ينوف على الـ 2000 شخص بين الطالب والمدرس والمريض والطبيب والزائر. ويمكن لهذه الحركة البشرية اليومية أن تكون مسرحًا مجانيًا أو مختبرًا ملائمًا لنشر تحوّل مفاهيمي أو لحثّ تعديل سلوكي يتوسّع نطاقه فورًا داخل الأسر بل داخل المجتمعات المحلية المحيطة، وصولاً لإحداث تغيير مجتمعي هادف وشامل.
بالأثناء، تدهور قطاع الكهرباء العمومية بينما الصراع الفوقي يدور حول الماورائيات، تتثبت وقائع جامدة على أرض الواقع. ووفق دراسة البنك الدولي (تقرير رقم 42421 الصادر عام 2008)، إن حصة إنتاج الكهرباء من المولدات الخاصة سوف تتخطى الـ65% بحلول عام 2015.. بما يعني أن منحى الأمور يذهب باتجاه تسليم إنتاج الكهرباء إلى اصحاب المولدات الخاصة وبكلفة عالية جدًا على الاقتصاد الوطني وعلى صحة المواطن وجيبه، وعلى البيئة (الغازات الملوثة للهواء).
ولو أخذنا جمعية مؤسسات الإمام الصدر كمثال، يلفتنا بذل أموال طائلة لاستحداث نظام موازٍ لإنتاج الطاقة، وهو حلّ مكلف تشغيليًّا وبيئيًّا. مما دفع إلى البحث عن حلول جذرية للمدى البعيد، وإلى اتخاذ إجراءات تلطيفية في المدى المنظور.
الاستجابة
المتجوّل في مرافق المجمّع الثقافي لمؤسسات الإمام الصدر في صور يُلاحظ أن المعايير الخضراء مطبّقة في تصاميم المباني الجديدة بما فيها الطاقة النظيفة والإضاءة الطبيعية، كما ويجري إدخال التعديلات الممكنة على المباني القديمة. خلال العامين الماضيين، تمّ تكليف أخصائيي الطاقة النظيفة والمباني الخضراء بإعداد دراسات وافية لترشيد استخدامات الطاقة والمياه، ولتعزيز الممارسات الصديقة بالبيئة. وقد خلصت تلك الدراسات إلى تحديد أحد عشر مجالًا بيئيًا يمكن تحسينها أو العمل عليها. وكان أهمها وأكثرها كلفة هو مصابيح الإنارة، والتي نُصح بإبدالها بمصابيح الثنائي الباعث للضوء. صحيح أن هذه التقنية مكلفة كاستثمار أولي، إلا أنه عند الأخذ بعين الحسبان دورة الحياة الأطول والاستهلاك الأقل للطاقة يمكن تعويض الاستثمار المبدئي في أقل من ثلاث سنوات.
وبينما كانت الجمعية تحوّل إستراتيجيتها للأعوام القادمة إلى برامج تنفيذية، توسّع محتوى الحقيبة البيئية وتبلورت مراميها بحيث يمكن شرحها على الشكل التالي:
• يمكن تخفيض استهلاك الطاقة في المرافق التابعة لمؤسسات الإمام الصدر بحيث تنخفض فاتورة الإنارة فقط من 40 ألفًا إلى 20 ألف دولار سنويًّا. كما ويمكن التوفير في الاستهلاكات الأخرى المتصلة بالتكييف والتدفئة والمبرّدات.
• بالتوازي، تبيّن وجود الكثير من الأمور القابلة للتحسين لناحية إدارة المرافق بيئيًّا بما فيها استهلاك المياه، وتحويلها إلى نموذج يحتذى في المنطقة؛
• يتم حاليًّا تسخين المياه في كل المرافق عن طريق الطاقة الشمسية، والمطلوب البحث عن أفضل السبل لتوسيع استخدامات هذه الطاقة النظيفة.
• التجسيد الملموس الأهم للفكرة السابقة تمثل في إبدال مصابيح الإنارة في المجمّع الثقافي في صور.
• بالتوازي، تشكل موضوعات البيئة محورًا عابرًا لكل المناهج والمراحل الدراسية، كما تشغل نصيبًا وافرًا من الأنشطة اللاصفيّة.
الفرص
ببعض التركيز على قطاع الطاقة، لا بدّ من التنويه بأن المجتمع المدني اللبناني غير غافل عن أزمة الطاقة فيه، وتداعياتها على المواطنين والبيئة. إلى أساليب الضغط المعتادة، خرجت العديد من التوصيات منها تشجيع مصادر الطاقة المتجددة بما فيها دعم الجامعات لتدريس الطاقات المتجددة وتقنياتها، دعم النقل العام وإحياء سكك الحديد، اعتماد أساليب العزل الحراري في الأبنية، استخدام العدادات الذكية وتحسين الجباية ووقف الهدر. والبحث في إمكانية المشاركة والاستفادة في المشاريع الأورومتوسطية، ورفع قدرات المجتمع المدني.
ونظرًا لارتباط البيئة بأولويات الناس وبحاجاتهم (سواء أدركوا ذلك أم تونوا عن ذلك…)، يبقى الرهان الأكبر هو كيفية نقل اهتمامات المواطنين من الاختلاف على معتقداتهم وآخرتهم إلى الاهتمام بمصالحهم ودنياهم. تلقائيًّا، سينتقلون إلى ميدان المراقبة والمتابعة والمحاسبة، وبموجب معايير منطقية ومكممة لا تحتمل الاختلاف. عندها فقط، تبدأ رحلة التمرس على مفاهيم الديمقراطية والحقوق والعدالة. فحقوق الإنسان بالمطلق تبدأ من صيانة حقوقه في الأمن والغذاء والمعرفة والبيئة الصحية، مرورًا بصيانة حقوقه في التعبير عن ذاته وحاجاته وطموحاته.
نظراً لطبيعة الأنشطة التقليدية في المجمّع الثقافي لمؤسسات الإمام الصدر كالتعليم والتدريب وعدا عن كونه مساحة مثالية للمرأة كي تتمرس على أدوراها المدنية والتغييرية في المجتمع؛ فإن فرص التعلّم من التجربة وتوسيع تأثيراتها هي – تلقائيًّا- فرص عالية، فكيف إذا تأطرت هذه الفرص في مخطط مقصود وممنهج يهدف إلى توسيع نطاق المتأثرين وإيجاد استعداد ذهني لديهم يتحول إلى فعل ملموس عند معظمهم؟
بالخلاصة، تعمل الجمعية على الترويج لكل منتج صديق بالبيئة والحثّ على تصنيعه واستخدامه. والغاية هي توسيع نطاق المتأثرين بالفكرة. أما مجموعات الناشطين والناشطات فهي مجموعات متنوعة ومتحدرة من كل المناطق اللبنانية. والمأمول أن تؤدي منهجية العمل المعمول بها إلى تعزيز ثقة المستهدفين بأنفسهم وبقدراتهم على إحداث فروقات تراكمية في نوعية حياتهم وطريقة إدارتها. بما يساهم في بناء المجتمع المدني الفاعل والمسلّح بأدوات تحليل وقياس، وبذهنية النقاش والسؤال.