الصحة النفسية

النزاعات وأثرها على الإنسان والمجتمع
لوحظ تفشي الاضطرابات النفسية والاجتماعية في المجتمعات التي تعاني من الحروب ومن الفقر، وما ينتج عنهما من تفاوت ومن حالات إقصاء اجتماعي. وفيما عنى الشريحة الأكثر تأثرًا، والأكثر عرضىةً- والتي تقع بمثابة البؤبؤ من العين في  مؤسسات الإمام الصدر ، يمكن رصد المؤشرات التالية:
– الاتكالية والميل إلى التخلّي عن التزام الأهالي تجاه أطفالهم؛
– محدودية المهارات عند الأهالي، بما فيه تفشي الأمية، والإحساس بالدونيّة تجاه من يوفر المساعدة أو التعليم؛
– ارتفاع نسبة العائلات المفككة بسبب الانفصال أو الطلاق أو العنف المنزلي؛
– مشاكل مالية حادة معطوفة على ندرة فرص العمل.

استدعى هذا الواقع المركب ابتداع مقاربة متكاملة لكسر الحلقة المفرغة ولمواجهة الحاجات المتعددة للأطفال ولذويهم.

برنامج تأهيل المتخصصين في الدعم النفسي
بدأنا منذ أربعة أعوام وبالتعاون مع لجنة المساعدات النرويجية برنامج إعداد عاملين وعاملات في الصحة النفسية. والغاية من هذا الاختصاص  هي تمكين المتدربين من اكتشاف الاضطرابات النفسية عند مرضاهم في مرحلة مبكرة بما يساعد على تلبية الاحتياجات النفسية الأساسية في مراكز الصحة الأولية . وتحديدًا في المناطق الريفية حيث خدمات الدعم النفسي نادرة، وغير متوافرة. يهدف برنامج الإعداد والتدريب إلى بناء مهارات التواصل الضرورية لتعزيز العلاقة مع الناس، وتمكين العامل الصحي أو الممرضة من اقتراح مخطط العناية بالمريض، تبعًا لحاجاته المتنوعة، كما تتمكن من معرفة آلية تحويل المرضى إلى المراكز المختصة عند الحاجة. تشمل مهام العامل في الصحة النفسية جوانب عدّة أهمها: تطوير العلاقة العلاجية مع المريض، التنسيق في ما بين الأطراف المعنية بمسائل الصحة النفسية، توفير العناية الجيدة والملائمة، وتعزيز استراتيجيات التأقلم والمرونة في مواجهة بيئات الخطر والتوتر.

نعتقد أن توفير هذه الخدمة يمكن أن تقلل الحاجة إلى اللجوء للمستشفى، وأن يخفض تاليًا من كلفة الاستشفاء، حيث إنه بإمكان هؤلاء الخريجين/ الخريجات العمل في مراكز الصحة الأولية أو المراكز الريفية، في العيادات والأقسام المتخصصة في المستشفيات، وفي المدارس أو في منزل المريض.

الصحة المتكاملة في مراكز الصحة الأولية
تشكل الصحة النفسية جزًءًا لا يتجزأ من مفهوم الصحة الذي عرفته منظمة الصحة العالمية في إعلان ألما آتا لمبادئ الرعاية الصحية الأولية عام 1978 بأنه حالة من اكتمال السلامة جسديًّا وعقليًّا وإجتماعيًّا لا مجرد انعدام المرض والعجز. وبذلك تصبح الصحة النفسية حالة من العافية يمكن للفرد استخدام قدراته وتعزيزها من أجل التكيّف مع أنواع الإجهاد العادية والعمل بتفانٍ وفعالية والإسهام في مجتمعه.

تشمل الصحة بمعناها الأوسع الصحة الجسدية والنفسية ومع أنّ العديد من العاملين الصحيين يوافقون على هذا المفهوم الواسع للصحة إلا أنّ التركيز ينصب بشكل رئيس على الصحة الجسدية في الواقع وثمة أسباب عديدة لذلك، ولعل السبب الأهم هو أنّ العاملين الصحيين لا يعرفون الكثير عن الصحة النفسية وبالتالي لا يرتاحون إلى التعامل مع مشكلات الصحة النفسية، لكن الوعي لمختلف الإضطربات النفسية ازداد في السنوات الأخيرة وأصبح العديد من العاملين الصحيين أكثر اهتمامًا بالتعامل مع هذه المشكلات وقد تبيَن أنّ الاضطرابات النفسية الشائعة تحدث في كل المجتمعات وكل الفئات وتسبب معاناة كبيرة وعجزًا ولم تعد الصحة النفسية حكرًا على الاختصاصيين بل هي بالواقع تشكل جانبًا أساسيًّا من الرعاية لكل العاملين الصحيين في كل المجتمعات ومن الضروري أن يكون العامل الصحيّ ملمًّا جدًّا بالإضطرابات النفسيّة بقدر إلمامه بالأمراض الجسدية.

تاريخيًا، تعمل الدّائرة الصحيّة التابعة لمؤسسات الإمام الصدر على تأمين خدمات الرّعاية الصحيّة الأوليّة (وقاية وعلاج) ذات الجودة بأقلّ كلفة للنّاس. تنتشر مراكزها الصحيّة الثّابتة الثّمانية في القرى التّالية من الجنوب اللّبناني: كفرحتّى وعنقون (قضاء صيدا)؛ جلّ البحر، صدّيقين، الشهابيّة وديردغيّا (قضاء صور)؛ دير سريان_الطّيبة (قضاء مرجعيون)، وعيتا الشّعب (قضاء بنت جبيل). تشمل الخدمات الصحيّة والاجتماعيّة البرامج الوقائيّة (صحّة الأم والطّفل، التّلقيح، الصحّة الإنجابيّة، الفحوصات المخبريّة، الفحوصات التّشخيصيّة، الحملات الصحيّة، التّثقيف الصحّي…) والعلاجيّة (المعاينات الطبيّة العامّة والمتخصّصة، الأدوية العاديّة والمزمنة، صحّة الفم والأسنان…). من ناحية أخرى، تقصد العيادات النقّالة (العيادة العامّة والعيادة المتخصّصة) المناطق التي تفتقر إلى الخدمات الصحيّة الأوليّة الأساسيّة (مرّة أسبوعيّاً أو كلّ 15 يومًا تبعًا للحاجة): محور”شيحين، الجبّين، طيرحرفا(العيادة العامّة)، ومحاور “مركبا، حولا، طلّوسة، بني حيّان”، “مارون الرّاس، عيناتا، الطّيري”، و”بريقع، عدشيت” (العيادة المتخصّصة بالتّعاون مع منظّمة مالطا ذات السّيادة). أمّا العيادة النقّالة الثّالثة (نقّال العيون) فتقصد المراكز الصحيّة الثّابتة مرّة شهريًّاً. أخيرًا، يضمن مستوصف رحاب الزّهراء المدرسي داخل المجمّع الثّقافي توفير الرّعاية الصحيّة المتكاملة (معاينات داخليّة وخارجيّة واستشفاء إضافةً إلى البرامج الوقائيّة) إلى حوالى 400 طفلة من اليتيمات (داخلي وخارجي). كما يمكن لبقيّة طلّاب وموظّفي المجمّع الثّقافي زيارة المستوصف.

بعد تخريج ثلاث دفعات من العاملين النفسيين، وذلك بالتعاون مع هيئة المساعدات النرويجية (نورواك)، أصبح بالإمكان توسيع دائرة المستفيدين من خدمات الدعم النفسي لتشمل كلّ مراكز الصحة الأولية التابعة لمؤسسات الإمام الصدر. وبالفعل، أمكن التواصل مع مئات الأشخاص الذين طلبوا مساعدة نفسية، وهذا مؤشر جيّد على تغيّر نظرة المجتمع لهذا النوع من المساعدة.

بدأ توفير الخدمة النفسية في مراكز الصحة الأولية بالتعاون مع الهيئة الطبية الدولية (عامي 2011 و2012). وجرى تنظيم العمل على الشكل التالي:

على مستوى وحدة الإشراف ( الطبيب النفسي، المعالج النفسي والمنسق)

  •  الإشراف المباشر على عمل ممرضات الصحة النفسية من جهة إدارتهن للحالات واعتمادهن تقنيات تدريبية حصلن عليها خلال تدربهن.
  •  توجيه، وتقييم مباشر وتقويم بعض التقنيات التي من شأنها تحسين جودة الجلسات والمقابلات.
  •  إجتماعات دورية مع أطباء الصحة العامة وممرضات الصحة النفسية لمناقشة ودراسة حالات المستفيدين.
  •  دورات تدريبية متقدمة في مجال المتابعة النفسية والمشورة.
  •  إعادة تنشيط وتحديث للمعلومات النظرية للممرضات من قبل المعالج النفسي.
  •  متابعة التحويلات من أطباء الصحة العامة وأطباء الاختصاص والتنسيق معهم في المتابعة العلاجية.
  •  وضع معايير ومقاييس أداء بهدف إعتماد مقياس علمي للأداء وتحليل نتائجها.
  •  إدارة جلسات العلاج الجماعي والعائلي.
  •  توثيق كل ما يتعلق بالمهام المنفذة من تقارير أسبوعية، شهرية وسنوية.
  •  إنجاز أكثر من دراسة تقييمية لأداء الوظيفي الشخصي والاضطرابات السلوكية عند الأطفال.

على مستوى ممرضات الصحة النفسية

أولًا:  داخل المركز
 اكتشاف ومتابعة المستفيدين الذين يعانون من الاضطرابات النفسية الشائعة وإجراء تحويل لطبيب الصحة العامة أو للطبيب النفسي.
 تثقيف صحي نفسي عن الأدوية النفسية للمستفيدين وعائلاتهم.
 جلسات توعية ومحاضرات داخل المركز عن الإضطرابات النفسية الشائعة.
 جلسات مشورة نفسية لسيدات يعانين مثلًا من اكتئاب او العنف المنزلي أو عن كيفية إدارة الشؤون التربوبة في المنزل.
 تدريبات على التفريغ والاسترخاء.
 أنشطة موجهة وهادفة للأطفال على شكل حلقات ذات أهداف نفسية، تربوية وترفيهية.
 أنشطة موجهة للمراهقين وحلقات حوارية بحسب جنسهم وأعمارهم
 التوثيق للمهام وتقارير شهرية مفصلة.

ثانيًا: خارج المركز
 إنجاز حلقات توعية ولقاءات مع المراهقين في المدارس.
 تفعيل ومواكبة في الزيارات المنزلية لمتابعة شخصية لبعض الحالات الصعبة والتي يتعذر عليها الحضور إلى المركز.
 جلسات مشورة جماعية في المنازل لمجموعات لديهم اهداف مشتركة (أمهات، طالبات جامعيات، مسنات…)
 زيارات مدرسية وأنشطة داخل المدارس ولقاءات مع معلمين ومعلمات .
 لقاءات حوارية مع التلاميذ في بعض المدارس قبل فترة الامتحانات الرسمية.
 التشبيك مع المؤسسات التي تعمل ضمن إطار المراكز والتي تقدم خدمة مماثلة بهدف تكامل الخدمات.
 متابعة عائلات ضمن المنزل عانى أحد افرادها من اضطراب نفسي أثر سلبًا على الأداء الوظيفي الشخصي والعائلي.
 المشاركة في معارض وأنشطة خارجية بهدف الإعلان والتسويق والتثقيف عن الصحة النفسية.

الصحة النفسية